كلمة افتتاح الندوة التاريخيّة عن سيرة الشهيد قدّور بلعربي
يوم 21/05/2011
بسم الله الرحمن الرحيم،
لكلّ أمّة رجال، والأمّة يحييها رجالها، والرجال هم الذين يبقون أمّتهم حيّة. فإذا أرادت الأمّة أن تكون كذلك فعلى أبنائها إحياء ذكريات رجالها جيلا بعد جيل، وفي كلّ مناسبة تاريخيّة صنعها أولئك الرجال الذين ضحّوا بحياتهم، "فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا". ومن هؤلاء الرجال شخصية متناساة في محيطنا الذي نعيش فيه، لم يك ذكرها متداولا إلى الآن مذ رحلت إلى دار القرار. وكم تأسّفت حينما كنت أسأل عن نبذة من حياتها ولم أجد جوابا، لأنّني لست أدري أكنت أنا السبب في هذا الجهل أم غيري ؟ وخاصّة لمّا أعرض اسمها على أنّها من عشعاشة وبما سمعت عن صاحبها من أنّه كان ذا مستوى جامعيّ ، وهذا ما أعرفه فقط. ولكنّي صمّمت على الوصول إلى تعريفها بشكل واسع يناسب هذا المستوى العلميّ والنضاليّ والجهاديّ الذي أوصل روحها إلى اللّحاق بصفّ الشهداء . بل أصارحكم بأنّي على استعداد لتحقيق فكرة تأليف كتاب يحوي سير شهداء المنطقة إن وجدت المساعدة من أهاليهم. وأعلمكم بأنّ أمر النسيان خطير وقد ضرب بأطنابه على عقول أحفادهم، إذ أخبرني أحدهم ذات مرّة بأنّه لا يعلم شيئا عن عمّه الشهيد. بل قد يكون ابن الشهيد يجهل سيرة أبيه. ولتعلموا أنّ أعداء الجزائر كانوا ومازالوا يحاولون استعمال كلّ الوسائل لفرض عمليّة النسيان من أجل محو آثار الخزي والعار وما بقي من دمار مادّي وفكريّ، بل إننا صرنا نسمع في المدّة الأخيرة كثيرا من الشكوك في الثورة الجزائريّة والطعن في شهدائها ومجاهديها ومشاركة شعبها، وذلك لزرع مرض التفرقة والحقد والاحتقار، وإنّي أتصوّر احتمالا آتيا يجعل أحداثها خياليّة في أذهان الأجيال القادمة إن لم نتدارك الأمر بالتركيز على تدريس التاريخ الوطنيّ بإصرار وبنزاهة علميّة وتصفية الشوائب من دون حساسيّة وتصفية حسابات، ولن يكون هذا الأمر صحيحا وفعّالا إلاّ إذا صدقت النوايا، وانحازت إلى الحقائق وابتعدت عن التحيّز والإقصاء وتدخّل المنهج العلميّ.
إنّ التاريخ الأصل عبارة عن سلسلة تشكّلها حلقات مترابطة، يجب أن نتابعها بالتواصل المستمرّ ، وإذا أهملت إحدى حلقاته بالتناسي والإهمال ضاع هذا التاريخ وحدث الخلل المؤدّي إلى ما يسمّى بصراع الأجيال ودخل المجتمع التفكّك والتناطح فتضيع الأمّة، وعندها تقع المسؤوليّة كلّ من فرّط فرصة الربط والتلحيم القويّ. ومن أجل المشاركة في تحقيق التواصل التاريخيّ لمجتمعنا دعتنا الضرورة العلميّة إلى محاولة نفض الغبار عن شخصية عبدالقادر بلعربي المدعو قدّور في مناسبة اليوم الوطنيّ للطالب المصادف لـ 19 ماي ، ونحن اليوم نعيش ذكراه الخامسة والخمسين، فرغبنا في إقامة ندوة تاريخيّة متواضعة تحَمَّلَ أعباء عقدها هذا المركز الثقافي الذي يحمل اسمه وبإسهام مجموعة من الإخوة الذين طلبنا منهم ذلك، إذ كان حماسهم فيّاضا لمّا ربطنا المناسبة بتكريم رمزيّ لرجال التربية والتعليم المتقاعدين على مستوى دائرة عشعاشة، وأذكر خاصّة الأستاذ السعيد بلمهدي وبلقاسمي الصيدليّ ومعلّمي مدرسة ابن خلدون بإدارة باي محمّد والمدرسة الابتدائيّة الغربيّة الجديدة بإدارة بوعلام عفيف، كما لا يفوتني أن أشكر الأخ محمّد السعيد بعلي صاحب الفكرة برفقة رئيس جمعية (اقرأ) الابن عبد العزيز جميل باشا ومساعديه، وكذا الأمن الحضريّ بكلّ أفراده. ولا يمكن أن ننسى السيّد رئيس الدائرة ورئيس بلدية عشعاشة وكذلك الإخوة الذين حضّروا لنا مأدبة الغداء ، وعائلة بلعربي محور هذه الندوة الحاج الحبيب أخاه وابن أخيه المولاي. ثمّ إنّي باسم هيأة التنظيم لهذا الملتقى أشكر كلّ رجال الإعلام، وفي الأخير أحيّي كلّ الحاضرين من تحديد الأسماء وشكرا مرّة أخرى للجميع والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.