بسم الله الرحمن الرحيم،
إنّ الحياة في الحياة فنّ، وللفنّ مواصفات وآليّات وتطبيقات لا يتقنها إلاّ المختصّون أو الموهوبون الذين يوظّفون مواهبهم على سليقتها. وأقصد بالحياة الأولى هنا المعيشة أو كيفيّة العيش، وبالحياة الثانية هذه الدنيا المعيشة التي هي عبارة عن ظرف زمانيّ مؤقّت. ولذلك علينا أن نلاحظ اللّفظة ( الحياة )وهي الدنيا، ولمّا نلاحظ لفظة (الحيوان ) الواردة في قوله تعالى : " وإنّ الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون" (64/العنكبوت). فهي حياة ولكنّها تختلف عن الحياة الدنيا، لأنّها جاءت على وزن( فَعَلان) الدالّ على الحر كة أو التحرّك، فهي لا تتوقّف في زمن بل هي دائمة ، بينما الحياة تقابل الموت، أي أنّها متوقّفة في زمن محدود. فلمّا أراد الله تعالى أن يبيّن لنا- بعلمه طبعا-حقيقة العشرة الزوجيّة نبّهنا بلفظ ( السكون ) فقال:"ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها"(21/الروم) والسكون في هذه الدنيا ضدّ الاضطراب أو أيّ خلل في الهدوء. فالحياة الدنيا تسعدنا بالحياة الزوجيّة الساكنة غير المكدّرة على الرغم من نهايتها في زمن معيّن. والذين يفهمون حقيقة الحياة الزوجيّة هم الذين يجدون فيها لذّة وسعادة لا تكدّرها العوائق البسيطة التي هي من طبيعة الحياة الدنيا. ثمّ إنّ (الزواج)لا يكون إلاّ بين طرفين متكاملين وإلاّ توقّفت سنّة الحياة الدنيا. ومن ثمّ نجد من لا يدركون هذه الحقائق يتذمّرون من معيشتهم وتحدث في أسرهم الاختلافات والمشكلات. أمّا بناء الأسرة فهو أن يكون بين هذين الطرفين الأساسين ليتحقّق التكامل الطبيعيّ في حياة البشر. وهذا البناء قائم أساساً على حرّيّة الاختيار، ثمّ الاتّفاق على شروط يحدّدها الطرفان برضاهما، وإذا ما اختلّ الميزان بتدخّل شوائب أو سوء نيّة من أحدهما حدث زلزال الفراق. ونحن الجزائريّين نعرف في عاداتنا الموروثة كانت الأسرة تقوم على هذه الشروط بالرغم من أنّ أغلب الأزواج قديما كانوا يتلاقون بأزواجهم أوّل مرّة ليلة الدخلةفقط، وقلّما تجد الافتراق حاصلا لأتفه الأسباب بل كانت العشرة تدوم طويلا وقد تستمرّ إلى نهاية أحد الطرفين، وكم أنجبت لنا الأسر الماضية من أبطال وأفذاذ في مختلف الميادين. ومازات المرأة في الريف تشارك زوجها في أشغاله المختلفة في الحقل، وهو حينما يرجع إلى البيت يساعدها في تربية الأولاد، وحينما تكون هي في إعداد الطعام تجده هو يلاعب الأطفال وقد يساعدها في تحضير الأدوات أو الغسل أو أيّ شيء آخر.ولمّا تغيرت الحياة في المدن بل حتّى في القرى صار العمل للمرأة متاحا مثلها مثل الرجل بلا فرق إطلاقا وقد اقتحمت كلّ الميادين وهي حاضرة أكثر من الرجل،ولعلّ الرجل هو الذي قد يكون قد بقي على فهم بعض العادات القديمة جدّا وهي تلك التي كانت فيها المرأة تحتقر احتقارا لا يختلف عن الحيوان ولكن في ديننا الإسلاميّ كرّمت المرأة ولها أو عليها ما للرجل أو عليه على السواء. ولمّا حدّد الإسلام شروط الزواج فلكي يحافظ على كرامتها ، ولا يجوز للرجل أن يخالفها إطلاقا وإلاّ عدّ مخالفا للعهد.ف‘ذا حسنت النوايا من الطرفين قبل العقد انبنت عشرتهما على أحوال حسنة ودامت واتّصلت وكوّنت عائلة مستقيمة، وفهم كلّ طرف دوره وتقبّل الرجل عمل زوجه إن وافق على الشرط.وبالتالي يكون بناء الأسرة سهلا ميسورا دون أيّ عقدة بعد أن يكون كلّ طرف قد استعدّ لاستقبال الآخر وأن يشارك في تحمّل أعباء الأسرة بالاشتراك. فليس من العدالة أن ترى المرأة العاملة تقوم بعمل خارج البيت ثمّ ترجع إلى الأعمال داخله وحدها، لأنّ الرجل قد يظنّ أنّها أعمال خاصّة بالمرأة وتراه قد يكون لاهيا في متابعة التلفزة أو في مجلس مع أصحابه أو منشغلا في لهو أو أيّ شيء آخر، وتبقى زوجه مرتبطة بالأولاد والأعمال المختلفة ثمّ يأتي هو ويجد كلّ شيء مرتّبا في انتظاره، فهذا في نظرى ظلم وقد قال تعالى :" سيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون"والأغرب من كلّ ذلك يطالبها بتسديد أجرة العمل كاملة وقد تحدث بينهما من أجلها صراعات وتشن"جات واختلافات فالفراق في كثير من الأحيان. فمن أراد السكون المعبّر عنه في القرآن فعليه تحمّل شروط عقده ومشاركة زوجه العاملة في كلّ الأعباء ، وأعرف شخصيّا بعض الزملاء قد ساروا على درب الاشتراك الزوجيّ وهم في حياة سعيدة. ومن ناحية أخرى ينبغي للمرأة العاملة أن تحسن اختيار نوع العمل الذي يمكن أن توافق به بينه وبين منزلها وأن تختار الرجل المناسب أيضا وإن كان هذا من أصعب الأمور لأنّ الشخص قد يظهر بوجه ثمّ يظهر على حقيقة وجه آخر. وعلى المؤسّسات أيضا أن تراعي المرأة العاملة لتساعدها على توفير حوّ العمل بالاطمئنان وشروط اللّباقة واللّياقة بعيدا عن الاستفزاز والتحرّش والاحتقار والابتعاد كلّ البعد عن الاختلاء أو الاختلاط الفاحش وعلى الرجال والنساء على السواء فهم حين وجودهم في مؤسّسة العمل أن يكونوا في إطار الحشمة والتقدير والوقوف عند حدود العمل وفقط. والله المستعان.