بعد أن كان المناضل بن دردوش جلّول قد دلّنا على من كان يرافقه في النضال بولاية مستغانم إى جانب الشهيد عبد القادر شريف وهو المناضل جلواط السعيد المعروف بعبد الهادي، فشددت الرحال إلى بيته بوهران رفقة حفيدي الشهيد يوم السبت 15/12/2012 حيث استقبلنا بكلّ فرح وسرور، ولمّا أدخلنا قاعة الاستقبال طلبنا منه أن يزوّدنا بما علق بذاكرته من خصال الشهيد السياسيّة. فقد أبرز لنا شجاعته وحبّه للجزار وتضحيّاته البالغة لكونه كان أقرب إليه بل أعلمنا بأنّ صحبته فاقت علاقة الإخوة من الوالدين، وكانا متلاصقين في النضال ، وممّا ذكره لنا جاء تأكيدا لما أعبرنا به بن دردوش سابقا وهو زيارة قادة الحركة الوطنيّة لعشعاشة وهم فرحات عبّاس وأحمد فرنسيس وبن تامي وبن قطّاط، وذلك من أجل توعية سكّان ناحية الظهرة ، ويعترف جلواط بأنّ العمل السياسيّ بها كان صعبا جدّا لسيطرة الإدارة الفرنسيّة وأعوانها استغلالا لجهلهم الذي كان يغلفها تغليفا. ومع ذلك كان الشهيد شريف كالنبراس الذي يطفو فوق الظلام الشديد، وكانت معرفته به لمّا كان الشهيد يملك متجرا صغيرا بتجديت لبيع الخضر، وهذا الحيّ كان مهد الحركة السياسيّة بهذه الناحية ، فكان قريبا من روادها كبن قطّاط وبن دردوش وشخصيات أخرى أحاول أن أبحث عن نضالها مرّة أخرى إن تيسّرت لي الظروف. فكان جلواط خلال الحملات الإنتخابيّة بعد الأربعينيّات يرافق الشهيد شريف إلى أسواق ناحية الظهرة زخاصّة سوق الثلاثاء بعشعاشة وسوق الأحد بسيدي علي، ولكنّه ممّا يذكره لنا من صعوبة العمل السياسيّ آنذاك أنّ كلّما شاهدته عين من أعين الاحتلال تبعه مراقبان هو و شريف وغيرهما ولا يفارقه حتّى يخرج من السوق. وذكر لنا من طرائف الشهيد شريف أنّه ذات مرّة وهو يسير داخل السوق متبوعا بمراقبين لصيقين به توجّه إلى جهة بيع الحبوب وطلب من أحد الباعة أن يزن له بعض الكيلوغرامات من الشهير قائلا له: أريد أن أعلّف به حمارين يتبعاني دائما، وهي سخرية لاذعة من دون أن خوف ولا رهب. ومن شدّة المراقبة الشديدة يحكي لنا جلواط أنّه كان يصعب أن يحدّث أيّ شخص كان، مع إصرار المناضلين استعملا حيلة التقرّب من الناس باعثين رسالتهما السياسيّة وهما بقرب الشخض المقصود من دون لفت انتباه الأعين المراقبة. بل إنّه ذات مرّة تبعهما الحاكم إلى منطقة واد الشلف حتّى يمنعهما من الاتّصال بالناس. وللذكر فإنّ جلواط كان شابّا لا يتجاوز الخمس عشرة سنة خللا انتخابات السابع والأربعين. وكان نائب جمعيّة الاتّحاد الديمقراطيّ للحركة الجزائريّة، وكتب عدّة مقالات في مجلّة أصدرت آنذاك وحاولنا أ، يفيدنا بنسخ منها ووعدنا إلى لقاء آخر. وقد تأكّدنا بشهادته بعد شهادة المناضلين بن دودوش بمستغانم والحاج الشارف بمماش بأنّ الشهيد شريف عبد القادر كان مناضلا مخلصا شجاعا نشيطا على الرغم من بساطة علمه ولكنّه بلغ من الوعي السياسيّ مرتبة راقية, ويبدو لي أنّه يكفينا أن نعلم باتّصاله يفرحات عبّاس وأحمد فرنسيس وبن تامي وبن قطّاط وهم من الشخصيات التي كانت الإدارة الفرنسيّة تجعل لهم حسابات غير متناهية. وما تأسّف له المناضل بن جلواط هو افتراقه بالشهيد بعد اندلاع الثورة التحريريّة في 1954 ولم يعلم عنه إلاّ إنّه التحق بالجبل بعد عام 1956 حينما اشتدّ لهيب الثورة بمستغانم وصربت الإدارة الفرنسيّة طوقا خانقا وقامت بحملة شرسة جمعت خلالها كلّ رواد النضال السياسيّ بالناحية واتّجه كلّ واحد وفق رؤاه وكان هو مصيره السجن بينما تفرّق الآخرون إلى أيّ اتّجاه لم يعرف أحدهم الآخر إلى أن اسرجعت الحرّيّة وبحث عن رفيقه في النضال من دون جدوى إلى أن حانت فرصة لقاء أحد الحفيدين بمن أخبره بأصدقاء جدّه فأعنته على التقرّب بمن أمكنه الاتّصال به فكان اللّقاء الأوّل ببن دردوش كما ذكرت في مقال سابق. وما محاولتي هذه إلاّ بداية نفض غبار نسيان أهل النضال السياسيّ الذي لولاه لما عرف الشعب الجزائريّجهادا ولا حربا، فرحم الله الشهداء وجزى من بقي على قيد الحياة وكان لنا شرف رؤياهم وتأكّدنا من جهادهم وتضحيّاتهم، وعلى الرغم من قلّة شهاداتهم فإنّا سعداء بما أبلغونا به وأتمنّى شخصيّا أن تجمع كلّ الشهادات لترسيخ صفحات التاريخ الذي يكاد يمحى من الذاكرة الشعبيّة قصدا أو عن غيره.